اصدارات, بيانات

العدالة المؤجلة _ من النكبة إلى غزة …. التهجير مستمر وجرائم الاحتلال لا تسقط بالتقادم

في ظل التصعيد الخطير والمستمر الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، تصدر الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات هذا البيان لتسليط الضوء على جملة من الانتهاكات الجسيمة والمستمرة التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، والتي تمثل جرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، لا سيما جرائم القتل العمد، الاستهداف العشوائي، العقاب الجماعي، التدمير المنهجي للبنية التحتية، والتهجير القسري الممنهج.
فمنذو اندلاع النكبة الفلسطينية عام 1948، والشعب الفلسطيني يواجه احتلالًا طويل الأمد ترافقه سياسات استعمارية ممنهجة تهدف إلى نزع الأرض وسلب الحق، بما في ذلك سياسات الضم والاستيطان والتهجير والتطهير العرقي، وقد تصاعدت هذه الجرائم بشكل مأساوي خلال العقود الماضية، وتحديدًا في قطاع غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية المحتلة، حيث لم تعد المسألة مجرد انتهاكات عارضة، بل باتت نظامًا ممنهجًا للتمييز والفصل العنصري، مدفوعًا بإرادة سياسية لإنهاء الوجود الفلسطيني.
وفي أعقاب العدوان العسكري واسع النطاق على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، والذي استمر لشهور متواصلة، شهد العالم بأسره فصولاً دامية من القصف المتواصل، والاستهداف المباشر للمدنيين، وتدمير المستشفيات والمدارس والمراكز الإنسانية، وصولاً إلى فرض الحصار الشامل والتجويع الممنهج، وتهجير أكثر من مليون فلسطيني من بيوتهم، في سابقة تُنذر بإعادة إنتاج النكبة ولكن بأدوات أكثر عنفًا ووحشية.
لقد اعتمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على سياسة التهجير القسري كوسيلة مركزية ضمن استراتيجيتها الاستيطانية، حيث تعمل على إخلاء المناطق الفلسطينية من سكانها الأصليين، واستبدالهم بالمستوطنين اليهود، ضمن مشروع استعماري يضرب عرض الحائط بجميع القوانين الدولية.
وفي قطاع غزة وحده، ومنذ بداية العدوان الأخير، تجاوز عدد المهجرين قسرًا أكثر من مليون ونصف فلسطيني، أُجبروا على النزوح من مدنهم وقراهم تحت تهديد السلاح أو بفعل القصف الجوي والبري المتواصل. وقد تم استهداف المخيمات التي لجؤوا إليها، ما يعني أن التهجير لم يكن لأسباب “أمنية مؤقتة” كما تدعي إسرائيل، بل لتحقيق أهداف بعيدة المدى بفرض وقائع ديموغرافية جديدة، وهو ما يمثل خرقًا فاضحًا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر النقل القسري الجماعي للسكان تحت الاحتلال.
كما لا يمكن ان نتناسي ماجري ويجري في حي الشيخ جراح وسلوان في القدس، ومسافر يطا في الخليل، والأغوار الفلسطينية، حيث تصدر المحاكم الإسرائيلية أوامر بإخلاء الفلسطينيين من منازلهم لصالح الجمعيات الاستيطانية، بدعم مباشر من الجيش والحكومة، ما يشكل جريمة تهجير قسري، وترسيخًا لنظام الفصل العنصري. لقد وثقت منظمات دولية، بما في ذلك الأمم المتحدة ، مجموعة واسعة من الجرائم والانتهاكات التي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
• الاستهداف المتعمد للمدنيين: بما في ذلك النساء والأطفال وكبار السن. حيث بلغت نسبة الضحايا المدنيين في قطاع غزة أكثر من 70% من مجموع القتلى، وارتكبت المجازر في المدارس والأسواق والملاجئ.
• استهداف البنية التحتية المدنية: تم تدمير المستشفيات، محطات المياه والكهرباء، منشآت الأمم المتحدة، والمساجد والكنائس، ما أدى إلى كارثة إنسانية شاملة.
• فرض الحصار والتجويع: استخدمت إسرائيل التجويع كأداة حرب، في انتهاك صارخ للمادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، والمادة 8 من نظام روما الأساسي.
• الاعتقالات التعسفية والتعذيب: طالت آلاف الفلسطينيين، بمن فيهم أطفال ونساء، وتم توثيق حالات اختفاء قسري وتعذيب ممنهج داخل سجون الاحتلال.
لقد خلّف هذا العدوان وهذه السياسات نتائج إنسانية كارثية، حيث:
• تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين منذ أكتوبر 2023 حتى تاريخ 27 مايو 2025، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن عدد الشهداء في قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023 قد ارتفع إلى 54,056 شهيدًا، بالإضافة إلى 123,129 إصابة وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام لا تشمل الضحايا الذين لم تتمكن طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إليهم، كما تم توثيق استشهاد أكثر من 15,000 طفل منذ بدء العدوان، مما يسلط الضوء على التأثير الكارثي للصراع على الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع الفلسطينيصة في المناطق الشمالية من القطاع، بسبب استمرار القصف وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق.
• المباني السكنية: تضرر أو دُمر نحو 70% من المنازل في قطاع غزة، مما أدى إلى نزوح جماعي للسكان.
• المستشفيات: من أصل 36 مستشفى في القطاع، تعرض 16 مستشفى لأضرار جسيمة أو خرجت عن الخدمة، بما في ذلك مستشفى الشفاء، الذي تحول إلى “هيكل فارغ” بعد العمليات العسكرية. وتم تحويل القطاع إلى منطقة غير قابلة للحياة، وسط انهيار شامل في الخدمات الصحية والمياه والغذاء.
• المدارس: تضررت 477 مدرسة، أي حوالي 85% من إجمالي المدارس في غزة، مع تدمير 133 منها بشكل كامل.
• يعيش السكان في ظروف لا إنسانية داخل الخيام دون كهرباء أو مياه نظيفة أو رعاية طبية.
إن استمرار هذا الوضع يُنذر بكارثة إنسانية ممتدة، ليس فقط للفلسطينيين، بل للاستقرار الإقليمي والدولي، ويضع مصداقية منظومة حقوق الإنسان الدولية على المحك.
وانطلاقًا من رسالتنا في الدفاع عن الكرامة الإنسانية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، فإن الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات نؤكد ما يلي:
1. نرفض بشكل قاطع ومبدئي كافة أشكال التهجير القسري بحق الشعب الفلسطيني، ونعتبره جريمة مستمرة تستدعي المحاسبة الدولية.
2. ندعو المجلس الدولي لحقوق الإنسان إلى إرسال بعثات تقصي حقائق مستقلة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، للتحقيق في الجرائم والانتهاكات وتقديم تقارير علنية للمجتمع الدولي.
3. نطالب المجتمع الدولي والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف بتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية، والعمل على وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة فورًا.
4. ندعو إلى فرض عقوبات فورية على سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك حظر تصدير الأسلحة والمعدات ذات الاستخدام المزدوج التي تُستخدم في ارتكاب الانتهاكات.
5. نحث المحكمة الجنائية الدولية على الإسراع في التحقيقات المتعلقة بفلسطين، ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
6. نناشد الأمم المتحدة العمل على تفعيل قراراتها المتعلقة بحق العودة للفلسطينيين، ورفض أي مشاريع تهدف إلى توطينهم أو ترحيلهم قسرًا خارج أراضيهم التاريخية.
7. نؤكد دعمنا الكامل لنضال الشعب الفلسطيني المشروع من أجل الحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة وكافة المواثيق الدولية.
8. نؤكد دعمنا الكامل للمبادرة المصرية برفض التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، وتدعو إلى إعادة إعمار القطاع دون تهجير السكان، مع دعم عربي ودولي لتثبيت حقوق الفلسطينيين والحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها
واخيراُ فاننا نحذر من الصمت الدولي، والتقاعس عن التحرك الفوري، لا يُعدّ فقط تواطؤًا مع الجريمة، بل مشاركة فيها. لقد آن الأوان أن يتوقف الكيل بمكيالين، وأن يتم التعامل مع القضية الفلسطينية وفقًا لمبادئ العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية، بعيدًا عن الحسابات السياسية.
إننا نتوجه بندائنا هذا، ليس فقط إلى الضمائر الحية في الامم المتحدة ، بل إلى الإنسانية جمعاء
أنقذوا ما تبقى من غزة، أوقفوا التهجير، ضعوا حدًا لهذا الظلم التاريخي.